أنواع الرياء وأضراره

أنواع الرياء

الرياء آفة خطيرة من آفات القلوب، وهو من الأخلاق المذمومة التي تُفقد العمل قيمته وتحبط أجره، لأنه ينقل النية من وجه الله تعالى إلى وجه الخلق، ويُفسد العمل في جوهره، ويُدخل صاحبه في دركات النفاق. فالرياء هو أن يعمل العبد العمل الصالح لا ابتغاء وجه الله، بل ليراه الناس فيحمدوه أو يمدحوه أو يظنوا به خيرًا، فيتحول الإخلاص إلى تظاهر، والعبادة إلى وسيلة لكسب رضا البشر بدلًا من رضا الله عز وجل.

وفي هذا المقال نستعرض أنواع الرياء بالتفصيل، ونتناول جذوره النفسية والدينية، ونتأمل مظاهره في حياتنا المعاصرة، مستندين إلى الكتاب والسنة، وإلى آراء العلماء والمصلحين الذين تناولوا هذه الظاهرة الخطيرة بالتحذير والتبيين.

مفهوم الرياء

الرياء في اللغة مأخوذ من “رأى”، أي أظهر وأبان. وفي الاصطلاح الشرعي هو: “إظهار العبادة أو العمل الصالح بقصد أن يراها الناس فيثنوا عليه”، وهو نوع من الشرك الخفي، لأنه يُوجّه العبادة لغير الله عز وجل. وقد قال النبي ﷺ: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء» (رواه أحمد).

والرياء محبط للعمل لقوله تعالى:

﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].

تصنيف أنواع الرياء

يمكن تصنيف الرياء إلى عدة أنواع بحسب ما يظهره المرائي، أو بحسب موضع دخوله في العمل، أو بحسب غايته ودوافعه. وفيما يلي أبرز هذه التصنيفات:

أولًا: أنواع الرياء بحسب ما يُرائي به العبد

1. الرياء في العبادة البدنية

وهو أن يُظهر العبد التفاني في الأعمال التي تتطلب جهدًا بدنيًا كالصلاة، فيُطيل الركوع والسجود أمام الناس، أو يظهر الخشوع المصطنع.

2. الرياء في العبادة القولية

ويشمل تلاوة القرآن أو الدعاء أو الذكر بقصد أن يُقال عنه قارئ أو مُتدين، لا لطلب الأجر من الله. قال ﷺ: «يُؤتى برجل يوم القيامة… قارئ للقرآن، فيُقال: قرأت لي؟ فيقول: قرأت فيك، فيُقال: كذبت، ولكنك قرأت ليُقال قارئ» (رواه مسلم).

3. الرياء في العبادة المالية

كأن يتصدق المرء أو ينفق المال في سبيل الله، لكن بقصد أن يُعرف عنه الكرم، فيفقد الأجر ويقع في الإثم. قال تعالى:

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 38].

4. الرياء في السلوك الاجتماعي

ويتجلى في حسن الخلق المفتعل مع الناس، أو التواضع المصطنع، أو الزهد الظاهري، وهو من أخطر أشكال الرياء لأنه يخدع الناس بالظاهر.

ثانيًا: أنواع الرياء بحسب موقعه من العمل

1. الرياء في أصل العمل

ويكون بأن يُقدم العبد على العبادة ابتداءً لا لوجه الله، بل ليراه الناس، كأن يُصلي أو يصوم أو يحج رياءً، فهذا العمل باطل ولا يُقبل.

2. الرياء في أثناء العمل

كأن يبتدئ العمل مخلصًا لله، ثم يدخل الرياء في منتصفه فيُغير نيته بعد أن رآه الناس، فيُصبح مبتغيًا رضاهم، ويختلف العلماء في قبول هذا النوع من العمل.

3. الرياء بعد العمل

وهو أن يُحدث الإنسان نفسه بالإعجاب بعد فراغه من العبادة، ويفرح بمدح الناس له، ولا يُريد أن يُعيد الفضل إلى الله. وقد يكون هذا أقل خطرًا من النوعين السابقين لكنه يؤدي إلى العُجب ويُضعف الإخلاص.

ثالثًا: أنواع الرياء بحسب الغاية والدافع

1. رياء حب الجاه والعلو

وهو أن يُرائي الإنسان طلبًا لرفعة اجتماعية أو مكانة مرموقة بين الناس، كما قال تعالى:

﴿كَمَثَلِ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾.

2. رياء الخوف من الذم

وفيه يُظهر الإنسان الصلاح حتى لا يُلام أو يُنتقد، وليس حبًا لله أو طاعة له.

3. رياء العادة

وهو أن يُؤدي العبد العبادة لأن الناس تعودوا منه ذلك، فيُصلي أو يصوم أو يقرأ القرآن من باب العادة أو التقليد لا بنية التعبد.

4. رياء النفاق

وهو من أخطر أنواع الرياء، ويتصف به المنافقون الذين يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فيراؤون الناس بالصلاة أو غيرها من العبادات.

الجذور النفسية للرياء

الرياء لا يظهر فجأة في القلب، بل يتسلل نتيجة أمراض داخلية كامنة، من أبرزها:

• حب المدح: فيسعى الإنسان إلى الثناء عليه، ويأنس بالمديح، ويكره النقد، فيُسخّر عبادته ليُشبع هذا الشعور.

• الخوف من الناس: فيُظهر الصلاح خشية أن يُتهم بالفجور أو التقصير.

• حب الظهور والتميّز: وهي من نزعات النفس التي تسعى إلى الشهرة والمكانة.

• ضعف الإيمان: لأن المؤمن القوي الإيمان يُخلص لربه، ويستغني برضاه عن رضا الناس.

• الجهل: إذ يجهل بعض الناس أن الرياء شرك، ويظنونه مجرد عادة أو تصرف اجتماعي مقبول.

الرياء في ضوء الكتاب والسنة

ورد ذكر الرياء في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع متعددة، كلها تشير إلى خطورته وسوء عاقبته، ومن ذلك:

• قال تعالى:
  
  ﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142].

• وقال أيضًا:
  
  ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾ [الماعون: 4-6].

• وقال ﷺ: «من سَمَّع، سَمَّع الله به، ومن يُرائي، يُرائي الله به» (رواه البخاري ومسلم).

مظاهر الرياء في الحياة المعاصرة

الرياء لم يقتصر على مظاهره التقليدية في العصور الماضية، بل تطور وتعددت صوره في العصر الحديث، ومن أبرز مظاهره المعاصرة:

آثار الرياء على النفس والمجتمع

أولًا: على النفس

• يُفقد الإنسان لذة العبادة.

• يُحبط الأجر ويُفوت الثواب.

• يُدخله في دوامة العجب والغرور.

• يُضعف العلاقة بالله.

ثانيًا: على المجتمع

• يُشجع النفاق ويُقلل من القدوة الصادقة.

• يُفسد صفاء العلاقات بين الناس.

• يُشوه صورة الدين ويُحول العبادات إلى مظاهر شكلية.

• يُزيد من التنافس السلبي والرياء الجماعي.

كيفية التخلص من الرياء

يُعد الإخلاص هو السبيل الوحيد لتطهير القلب من الرياء، ويمكن تحقيقه عبر خطوات عملية، منها:

1. مجاهدة النفس: وعدم الركون لمدح الناس، وكبح نوازع التفاخر.

2. الاستعانة بالله: بالدعاء والتوسل إليه أن يُخلص النية، فقد قال ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».

3. إخفاء الأعمال: ما أمكن، كالصيام والصدقة وقيام الليل، فالإخفاء يقوي الإخلاص.

4. تذكر رقابة الله: ومراقبته للنيات والضمائر، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.

5. تدبر النصوص الشرعية: التي تذكر عقوبة الرياء وخطره، وتستنهض الخشية في القلب.

6. صحبة الصادقين: الذين يذكّرون بالله، ويُعينون على الثبات على الطاعة.

الخاتمة

الرياء مرض خفي يتسلل إلى القلوب فيخدعها، ويجعل الأعمال الجليلة بلا ثواب ولا أثر عند الله، ويجعل العبد أسيرًا لنظرة الناس. وقد شدد الإسلام في التحذير منه، واعتبره ضربًا من الشرك الأصغر، ودعا إلى تنقية النية وتطهير القلب بالإخلاص. فلا مقام للرياء في قلبٍ امتلأ بحب الله، ولا سبيل له على عبدٍ علم أن رضا الله أعظم من رضا الخلق.

المراجع

1. ابن القيم، مدارج السالكين.

2. الغزالي، إحياء علوم الدين.